اللتعليم الفنلندي

ماذا يعني أن تقلل أيام الفصل الدراسي، وتقلص ساعات التدريس في الأسبوع، وتوقف الاختبارات الموحدة، وتتخلص من الواجبات المنزلية والدروس الخصوصية، ثم تتصدر ترتيب طلبة العالم في اختبارات القياس الدولية؟

اللتعليم الفنلندي

هذا ما حدث في عام 2000 حين فوجئ العالم بمجموعة طلاب قادمين من دولة صغيرة تعداد سكانها خمسة ملايين نسمة، يُتَوَّجون بالمراكز الأولى في اختبارات القياس الدولية، ومذ ذاك العام والسياحة التعليمية نشطة في فنلندا: طوابير من الوفود الدولية تصطف سنويًّا للزيارة، والإجابة عن سؤال واحد: ما الذي يجري في مدارسكم؟

الأب الروحي للتعليم الفنلندي
الدكتور «باسي سالبرغ»، المبشر الأبرز بالأساليب التعليمية الجديدة، قدَّم في كتابه «Finnish Lessons» دروسًا مجانية لا تتطلب تكاليف تذكرة الزيارة، ووصف بُعدًا تعليميًّا بديلًا لم يسافر إليه أحد من قبل.

بعض الدول استفاقت على أفكاره، وخصصت جلسات برلمانية لمناقشتها، مثل أسكتلندا وإنجلترا وأستراليا ونيوزيلندا، وبعض الحكومات لم تكتف بذلك، بل استدعت المؤلف للتدخل فورًا في إدارة مدارسها، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

حركة إصلاح التعليم.. فاسدة
يجب أن نُذكِّر أنفسنا دائمًا بأهداف التعليم: أولها بناء اقتصاد جيد، وثانيها المحافظة على ثقافة البلد.
«أول خطوة اتخذتها فنلندا للنهوض بالتعليم هي التخلص من الجراثيم». هكذا يسميها الدكتور سالبرغ اشتقاقًا من الأحرف الأولى لاسم الحركة العالمية لإصلاح التعليم «Global Education Reform Movement»، أو «GERM» (جرثومة) اختصارًا.

يتهم سالبرغ الحركة بإفساد التعليم، وإن ادَّعت إصلاحه، وصار يختصرها بكتاباته ومحاضراته باسم الجراثيم، كناية عن الأساليب المُعدية التي ما زالت تنتهجها هذه الحركة حتى تفشت في جميع مدارس العالم.

معًا نبيد 99% من جراثيم التعليم
ينقل كتاب «الدروس الفنلندية» عن صحيفة «التايمز» أن التعليم الفنلندي أباد 99% من جراثيم التعليم العالمي. كيف؟

تكثيف المواد، كثرة الاختبارات والواجبات، إطالة أوقات الدوام، الدراسة المنزلية والدروس الخصوصية، كلها أساليب يؤكد سالبرغ أنها جراثيم قادرة على هدم أي نظام تعليمي يتكئ عليها، لأنها ممارسات غير تربوية من شأنها إرهاق الأستاذ والتلميذ معًا، وإضعاف عملية التعليم ككل.

يجب أن نُذَكِّر أنفسنا دائمًا بأهداف التعليم: أولها بناء اقتصاد جيد، وثانيها المحافظة على ثقافة البلد، وآخرها أن الأساليب الجرثومية لا تحقق ذلك.


الجرثومة الأكبر في العالم


تطور منظومة التعليم في فنلندا مقارنة بأمريكا

اعتمد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خلال فترته، استراتيجية تعليمية طموحة أطلق عليها اسم «السباق نحو القمة»، ووعد بنهضة تعليمية شاملة لأمريكا عن طريق إحلال أساليب محاسبية أدق، ومعايير تقويمية لأداء المدرسين، ومتطلبات إضافية لتحقيق تفوق الطالب.

ينقل الفيلم الوثائقي «Waiting for Superman» أنه بعد سنوات من تطبيق الاستراتيجية زادت نسبة تسرُّب الطلبة وإغلاق المدارس وتسريح المدرسين. لقد أُعلِنَ عن فشل الخطة.

يعلق «سالبرغ» بأنها انتكاسة متوقَّعة لكل دولة تتشدد في محاسبة أداء الطالب والأستاذ، ولا توجد دولة واحدة تتبع هذه الأساليب الجرثومية استطاعت تحسين مستوى مدارسها. بعدها عُيِّن الرجل أستاذًا زائرًا في كلية التربية بجامعة هارفارد الأمريكية.

تشكلت النظم التعليمية الصارمة كردود أفعال لأحداث تاريخية ولَّت واندثرت (الثورة الصناعية، الحرب الباردة)، ورغم تلاشي أسبابها اليوم، ظللنا نتعامل بنفس الحلول القديمة التي اقترحتها الدول العظمى إبان صراعاتها السابقة، وهذا درس رائع لمدارسنا التي تهرول لحيازة صكوك الاعتراف الأمريكي والبريطاني.

قد يهمك أيضًا: هل هناك عمر يناسب كل الأطفال لدخول المدرسة؟

مفارقات التعليم الفنلندي
هذه بعض المفارقات التعليمية التي ربما لم يعتد عليها النوع البشري القاطن خارج نطاق الجغرافيا الفنلندية، علينا أن نصدق أن هناك شعبًا كاملًا يمارسها بشكل اعتيادي، واستطاع أن يتفوق بها على الشعوب الأخرى.

1. تدريس أقل = تعلم أكثر

لم تثبت العلاقة بين زيادة أوقات الدراسة والتفوق، بل لوحظ أن الدول التي يتفوق طلابها كانت تقلل من ساعات دوامها المدرسي، في حين الدول التي أظهرت تدنيًا في مستويات طلبتها هي التي كانت تعتمد على زيادة ساعات الدراسة.

مفارقة «التدريس الأقل» تقضي على الخرافة السائدة عن أن الطالب يتقدم تعليميًّا بمضاعفة ساعات تدريسه في الصف، عند ساعات الاستراحة، في البيت، خلال العطلة، في الطريق، إلخ.

ومن تطبيقات هذا التقليل في فنلندا:

الطلاب الفنلنديون هم الأقل مكوثًا في المدرسة
البيوت الفنلندية تخلو من الدروس الخصوصية
المعلمون الفنلنديون يقضون ساعات تدريس أقل من البلدان الأخرى
الطالب الفنلندي هو الأقل قلقًا
المدرسة الفنلندية تفوقت عالميًّا خلال سنوات قليلة أيضًا
ساعات التعليم الصباحي كافية للطالب والمدرس، لا داعي للاستحواذ على ما تبقَّى من اليوم.

2. تفاصيل تخصصية = معرفة معزولة

بعيدًا عن الحفظ والحشو والتلقين، يحذر سالبرغ من إلزام الطالب بمعلومات تفصيلية لا يتداولها إلا أهل التخصص الدقيق، يسميها «المعرفة المعزولة».

المواد التدريسية الفاعلة يجب أن تركز على تربية الطالب في الجوانب التالية:

التفكير الإبداعي
الضمير الأخلاقي
المهارات التواصلية
الموهبة الخاصة
لاحظ مرة أخرى، هذه موضوعات دراسية لا تتطلب استظهار مصطلحات جامدة هو في غنى عنها الآن، ولا تستلزم حفظ نصوص مطولة لم يحفظها كُتَّابها الأصليون أساسًا، ولم يطلبوا من قرائهم فعل ذلك.

إلزام النشء بهذه «المعارف المعزولة» سبب كاف لنفورهم من التخصص بها مستقبلًا، وقدرة الطالب على إبداع أفكار جديدة أهم من قدرته على تلقي معلومات جديدة، وتعليمه التفكير الابتكاري لا يقل عن أهمية تعلمه القراءة والكتابة والحساب.



لماذا شعر عالم الفيزياء «ميتشيو كاكو» بالإهانة عندما حفظت ابنته أجوبة الكتاب؟

3. منطقة خالية من الاختبارات

دور المدرسة أكبر من أن تحكم على طالب من خلال ورقة، التعليم ليس لل

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المناهج العلمية في فنلندا؛ تجربة ناجحة بمختلف المعايير

مشكلات فى التعليم

النكد مع الاطفال قبل النوم - احذروا النكد قبل نوم الأطفال.